تعدد الأوجه الإعرابية لبعض الکلمات القرآنية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

إذا کانت اللغة العربية هي کلام البشر المنطوق أو المکتوب، وسيلة الاتصال الأکثر شيوعًا بين البشر لأنها تتيح للناس جميعًا التحدث بعضهم مع بعض والتعبير نطقًا أو کتابًة عن الأفکار والآراء، فقال الله تعالى: )الرَّحْمَنُ _ عَلَّمَ الْقُرْآنَ _ خَلَقَ الْإِنْسَانَ _ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ((، فاللغة في الأساس تقوم بنقل رسالة بين المتکلم والسامع وبين الکاتب والقارئ، ولما کان الإعراب يعنى الإفصاح والبيان عن هذه الرسالة ونقلها إلى السامع فإنَّ أهم غاية يسعى إليها المُعرب في إبانته هي تحديد الباب الدلالي الذي تدخل الکلمة فيه لتأخذ حرکته الإعرابية. ولمَّا کان علم الإعراب شديد الصلة والتعلق بکتاب الله فهو المبين لبديع ألفاظه، فقد لفت انتباهي في قراءة کتب إعراب القرآن بصفة خاصة وکتب معاني القرآن بصفة عامة أنَّ القارئ يجد نفسه أمام عدد من التخريجات للکلمة الواحدة في خلال الآية الواحدة. وقد تصل إلى عشرة تخريجات، وقد تزيد أو تنقص فيحاول فهم النص استنادًا إلى واحد منها فيرى غيره أولى منه ثم ينتقل منهما إلى ثالث، ثم إلى رابع، ثم إلى خامس ليعود إلى حيث بدأ. فبذلک لا يصح أن يقدم أحد على إعراب نص يجهل معناه فإعراب النص هو توضيح لمعانيه فلابد إذن من الإحاطة بمعنى وتفسير الآية أولًا ثم قواعد اللغة العربية وتصاريفها المختلفة حتى يتجنب المُعرب الوقوع فيما هو محرم. فالإعراب له أثر في تأدية المعنى وکشفه وإزالة اللبس والغموض في معظم الحالات، کما أنَّ للإعراب ميزة کبيرة تتمثل في إعطاء الکلمة الحرية في الترکيب من حيث التقديم والتأخير دون أن تفقد الکلمة وظيفتها. کما أنَّ حرکات الإعراب جاءت لتکون دوال على المعاني، يقول الزجاجي وتبعه أکثر النحاة: [إنَّ الأسماء لمَّا کانت تعتورها المعاني وتکون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضافًا إليها، ولم تکن في صورها وأبنيتها دلالة على هذه المعاني بل کانت مشترکة جعلت حرکات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني]). کما يرى ابن فارس أنَّ الإعراب تميز به المعاني ويزيل الإبهام الذي يمکن أن يحدث للمتکلم خاصةً في الجملة المتشابه ألفاظها بقوله: [فأما الإعراب فبه تميز المعاني ويوقف على أغراض المتکلمين، وذلک أنَّ قائلا لو قال: "ما أحسنَ زيد" غير معرب و" ضرب عمرو زيد" غير معرب لم يوقف على مراده فاذا قال: "ما أحسنَ زيدًا" أو "ما أحسنَ زيدٌ " أو "ما أحسنُ زيد" أبان بالإعراب  المعنى الذي أراده وللعرب في ذلک ما ليس لغيرها فهم يفرقون بالحرکات وغيرها بين المعاني](. کما عدَّ ابن فارس الإعراب في اللغة العربية علمًا من العلوم فقال: [من العلوم الجليلة التي خصت بها العرب الإعراب الذي هو الفارق بين المعاني المتکافئة في اللفظ وبه يعرف الخبر الذي هو أصل الکلام، ولولاه ما ميز فاعل من مفعول، ولا مضاف من منعوت، ولا تعجب من استفهام، ولا صدر من مصدر، ولا نعت من تأکيد](.