ما جوَّزهُ النحاةُ في غير القرآن ووافقَ قراءةً جمعًا ودراسةً

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

الأولين والآخرين سيدنا محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، وبعد،
فلا ريبَ أن القراءات القرآنية من أغنى تراثنا الثقافي، فهي محور الاختلاف بين المفسرين في تفاسيرهم، والفقهاء في مسائلهم، والنحاة في مذاهبهم، واللغويين في ظواهرهم ومعاجمهم، فهي قطب الرَّحى الذي يدور حوله العلوم.
وقد نشأ النحو أول ما نشأ على يد نحاة هم في الأصل قراءٌ، کأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر الثقفي، وعلي بن حمزة الکسائي.
وعلم القراءات القرآنية من العلوم المعتمَدِ عليها في دراسة العربية؛ لأن روايات تلک القراءات من أوثق الشواهد على ما کانت عليه الظواهر الصوتية والصرفية والنحوية واللغوية بعامة في مختلف الألسنة واللهجات، فهي أغنى مأثورات التراث بالمادة اللغوية التي تصلح أساسًا للدراسة الحديثة، والتي يلمح فيها المرء صورة تاريخ هذه اللغة.
ومن هنا کانت الصلة وثيقة بين القرآن بقراءاته وعلم النحو.
وقد لاحظتُ أن کثيرًا من النحاة في أثناء إعرابهم للقرآن الکريم قد يُجَوِّزُون في آية من الآيات - عند إعرابها - وجهًا من أوجه الإعراب تبيحه اللغة، ويستسيغه القياس غير الوجه الذي في الآية الکريمة، مقيِّدينَ ذلک الوجه بجوازه في غير القرآن نصًّا، أو بعبارةٍ تؤدِّي مؤدَّاها، قاصدين بذلک غايةً تعليمية بحتة يهدف إليها النحاة عمومًا.
ومقصدهم من تجويز وجهٍ إعرابيٍّ في الآية دون أن تَرِدَ فيه قراءةٌ - على حدِّ علمهم - ما هو إلا للتنبيه على السَّعة اللغوية التي ينبغي أن يستحضرَها المُعْرِبُ دائمًا أمام نصٍّ لا تُتجاوَز فيه الرواية.
وبعد النظر في هذه التجويزات الإعرابية انجلى لي أن قسطًا کبيرًا منها قد جاءت به الرواية، مما يدلُّ على أنَّ النحويين لم يتبيَّنوها قراءةً، ولم يقفوا على کثيرٍ منها، وهذا مبثوثٌ في کتب إعراب القرآن ومعانيه وکتب التفسير والقراءات والنحو.