القراءات القرآنية بين مخالفة الرسم ووجوه الإعراب دراسة تحليلية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنبياء والمرسلين.
وبعد
فما من شک أن القرآن الکريم وصل إلينا عن طريق الروايات المتواترة، وأن العلماء تحرَّوا الدقة القصوى في توثيق ما روي من قراءات سبعية أو عشرية، بل وکثير من القراءات الشاذة –خاصة تلک القراءات الأربعة التي جعلها العلماء أکثر القراءات الشاذة قوة في الرواية وضمها بعضهم إلى ما قبلها في قوة الرواية.
ولا شک کذلک في أن العلماء قد عُنُوا عناية قصوى بموافقة القراءة لرسم المصحف العثماني والصواب اللغوي کعنايتهم بتواتر الرواية.
وقد شغل الحديث عن رسم المصحف([1]) جانباً کبيراً من الدراسات القرآنية قديماً وحديثاً؛ لِما لهذا الرسم من حاکمية فاصلة في اعتماد القراءة القرآنية، أو تفضيل غيرها عليها، أو توهينها، أو تلحينها وردها مطلقاً.
ومناط هذا الأمر معلق بأن القرآن – وهو وحي من عند الله – لا ينبغي أن يخالف في لفظ أو رسم، وأن سبب کتابة القرآن أيام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - کان الخوف من تفرق کلمة المسلمين في کتابة القرآن، فقد کان هناک کثير من النسخ للقرآن الکريم قد کتبت بمجهود فردي من الصحابة، فاختلفت فيها بعض الألفاظ عن بعض، لذا حرص المسلمون على اعتماد خط واحد يتفق عليه الصحابة في عهد عثمان - رضي الله عنه - ومحو ما عداه من مصاحف کتبت بجهود فردية من بعض الصحابة([2]).
لذا کان من ضوابط القراءة المتواترة أن تُوافِق الرسمَ العثماني مع اتصال السند وتواتره، وموافقة وجهٍ من وجوه العربية.



([1])  عرف الزرقاني رسم المصحف في مناهل العرفان (1/ 369) بأنه: الوضع الذي ارتضاه عثمان رضي الله عنه في کتابة کلمات القرآن وحروفه. وجاء في تاريخ القرآن الکريم / محمد طاهر الکردي (ص: 94) بأنه هو: ما کتبه الصحابة من الکلمات القرآنية في المصحف العثماني على هيئة مخصوصة لا تتفق مع قواعد الکتابة.
وينحصر أمر هذا الرسم في ست قواعد وهى: الحذف، والزيادة، والهمز، والبدل والوصل، والفصل، وما فيه قراءتان فکتب على إحداهما.


([2])  کانت هناک مصاحف لبعض الصحابة کمصحف ابن مسعود ومصحف أبي وغيرهما، وقد ورد في الآثار أن عثمان طلب هذه المصاحف کلها ومحاها، حتى لا يبقى سوى مصحف واحد مجمع عليه عند المسلمين، وقد استجاب الصحابة لهذا الأمر، مما يؤکد قدسية الرسم.