الهوية والمدينة في شعر أحمد المجاطي قراءة في الواقع الحضاري

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد
   فمع التحولات الجوهرية والوثبات المتلاحقة التي يشهدها الواقع الإنساني، ومع خضوع المجتمعات والشعوب لمستجدات الحضارة، وتفاوتها في مستوى الاستجابة لانعکاسات تلک المستجدات، شکلت المدينة قضية من قضايا القصيدة العربية الحديثة لدى بعض شعرائها، اختلف مدى حضورها ووظيفتها الإبداعية من شاعر إلى آخر، بحسب اهتماماته ورؤاه في التعبير عن قضاياه، ولکن الثابت أنها تعکس بکل دلالاتها ووظائفها- لدى الکثيرين- أزمة الحضارة التي يعيش في أتونها الشاعر العربي، وتجسد ذلک الصراع الذي يعبر عن صخب الحياة الذي تآکلت معه کثير من القيم الروحية التي عاش في ظلها، باعتبارها جزءًا من هويته ومقومات وجوده الإنساني.
   وعلى الرغم من أن المدينة- بوصفها موضوعًا شعريًّا- ليست جديدة على مضامين القصيدة العربية؛ إذ عرف شعراؤها الحنين إلى الأوطان، ووصف معالم حضارة الدولة العباسية بما فيها من نوافير وجسور وحصون، فضلًا عن رثاء المدن والممالک الزائلة بما فيها من معالم الحضارة العربية والإسلامية وشواهدها، ولکنها مع ذلک لم تکن تشکل لديهم وجهًا من وجوه المأزق الحضاري الذي أحدث همًّا عميقًا في وجدان الشاعر المعاصر([1])، وتحولت معه المدينة من مجرد حيز جغرافي لطبيعة حياة الحضر التي تقابل حياة البادية إلى حيز يرتبط بالقلق والمعاناة الروحية، ويعبر عن إحدى مآسي الإنسان المعاصر التي ترتبط بالحديث عن القيم والثوابت التي رأى البعض في هذا المجتمع تهديدًا لرسوخها، بل ووجودها.



([1]) يذهب الدکتور محمد حمود إلى أن العرب منذ الجاهلية کانت لهم مواقفهم الواضحة من الحضارة المقابلة للبداوة، وأن موقف الشاعر العربي من المدينة ليس جديدًا کظاهرة، وأن شعراء العرب لم ينتظروا العصر الحديث ليعيشوا تجربة المدينة، وإنما کانت مواقف العربي البدوي من الحضر مبثوثة في حنايا التراث، مثلما حملتها بعض قصائدهم، کما في لامية الشنفري، وابن الرومي في بائية له، وکما في إحدى ميميات أبي نواس التي يظهر فيها موقفه من الحياة الحضرية. (يُنظر: الحداثة في الشعر العربي المعاصر: بيانها ومظاهرها، د. محمد العبد حمود، الشرکة العالمية للکتاب، دار الکتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1986م، صـ254 وما بعدها).