حذف الحرف وأسراره البلاغـية في (نظم الدرر) للبقاعي (ت885هـ)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان، والمنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان، أنعم علينا بإنزال القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، والصلاة والسلام على رسول الله أفصح من نطق وأبان.
وبــعـــد :
فالإعجاز البياني في القرآن الکريم لما کان يبدأ بالحرف وينتهي بالقرآن کله، ولم يتم التعرف من وجوه إعجازه على أقل من نقطة في بحر محيط؛ لذا فقد جاء هذا البحث ليرکز على  وجه من وجوه إعجازه، ألا وهو حذف الحروف التي تتألف منها کلماته؛ بغرض إماطة اللثام عن بعض أسرار حذفها أو إثباتها، لا سيما إذا علمنا أن حذف الحرف في القرآن الکريم ليس حذفا اعتباطياً کما أن ذکره ليس مصادفة عشوائية، وإنما ذکره لحکمة وحذفه لحکمة.
ومما يلفت النظر أن حديث البلاغيين عن حذف الحرف کان حديثا عابرا في باب الإيجاز؛ لذا لم تتبين أسراره البلاغية في کتب البلاغيين، ولم يتعرض له إلا القليل من المفسرين، ولم يتصد له إلا دارسو علوم القرآن، ولعل مرد ذلک إلى أن البحث فيه عن جزء من کلي إعجاز القرآن، وحسن نظمه، وجودة تأليفه، کما أن الوصول إلى أسراره الخفية ليس بالأمر اليسير الذي يتهيأ لکل عالم، فالولوج فيه صعب المسلک، دقيق المأخذ، لا يعرفه على وجهه، ولا يحيط علمًا بکنهه، إلا مـن رُزق في إدراک أسراره ذوقًـا صحيحًـا، وأُوتي طبعــا سليمـا، ولکن هناک ثلة من العلماء قد أخذت على عاتقها خوض غماره، وإماطة اللثام عن أسراره، ومن هؤلاء الإمام البقاعي الذي بز أقرانه، وفاق أنداده في تفسيره (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)؛ فالقارئ لتفسيره سيلحظ عنايته بحذف الحروف في القرآن الکريم، وبيان مدلولاته، ووجه دلالته عليها.